نظرة في قانون المرور في السعودية رقم 19 لسنة 2007

نظرة في قانون المرور في السعودية رقم 19 لسنة 2007

ميكانيك

وضعت السعودية نظام استعلام عن المخالفات المرورية منذ سنة 2014 عبر بوابة ابشر ، وكان قانون المرور السعودي لسنة 2007 هو الاساس الذي سعت من خلاله المملكة لتنظيم هذه الحركية وانقاص من حوادث المرور 

ان قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”، الذي اعتبر من المبادئ الأولى والأساسية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام1948، لا يعني الحرية المطلقة للإنسان وإنما الحرية النسبية التي تكفل استمرار النظام الاجتماعي الذي عليه أن ينتقص من حرية الفرد بالقدر الذي يمنحه للآخر في إطار اجتماعي متناسق، والقانون هو الذي ينظم مستوى هذا الانتقاص المتجانس للوصول إلى نظام اجتماعي ناجح، ولكن ما هو القانون؟، وأي قانون هو الذي ينجح في فرض احترام الناس والتزامهم به والامتثال لتطبيقه عن قناعة؟.

للإجابة عن هذه التساؤلات نقول إن القانون هو مجموعة من القواعد العامة المجردة المنظمة للحياة في المجتمع والمرتبطة بجزاء حال مخالفتها والصادرة عن السلطة المختصة، غايتها تنظيم الحياة في المجتمع بتنظيم العلاقات الفردية والعلاقات المؤسسية والعلاقات العامة بين الأفراد والمؤسسات والدولة، ولضمان تطبيق القوانين يجب أن تصدر متوافقة مع واقع المجتمع ومتوائمة مع متطلباته ومعالجة لحالات الخرق والضرر والخطر، فإن لم تتوافق القوانين الصادرة مع واقع المجتمع ومتطلبات حمايته فلا نفع يرتجى منها بل قد تؤدى أحيانا إلى ازدياد نسبة الخروق، وبذلك تضر المجتمع ولا تنفعه. ومن المعروف أن القانون لا يطبق ما لم يلتزم الأفراد بتطبيقه، وهذا الالتزام يقوم على عنصرين، الأول ذاتي (استعداد داخلي منبعه مصدر الخير في النفس البشرية) والثاني خارجي (مصدره القانون وقواعد الأخلاق والسلوك المقبولة في المجتمع)، وعليه فالإنسان السوى ملزم أخلاقيا بتطبيق القانون الذي يرسم ويحمي النظام الاجتماعي؛ وهذا الالتزام الأخلاقي لا ينشأ إلا عن طريق العلم والمعرفة التي يكتسبها الإنسان  ويحرك جوانب الخير في نفسه فيقتنع به ويطبقه، فالخير والشر صفتان كامنتان في النفس البشرية، فمتى ما تفاعلت مع المحيط والبيئة التي يعيشها الإنسان برزت إلى الخارج بإحدى صورتين، فإن تفاعلت مع العوامل الخارجية المنضبطة جاءت بثمار منضبطة وسوية وتواءمت مع متطلبات القانون والمجتمع القويم وأفرزت سلوكا سويا، وإن كانت العوامل الخارجية غير منضبطة تضافرت مع المكنون غير السوي (عنصر الشر في النفس البشرية) وجاءت بسلوك غير سوي مضاد للمجتمع. ومن هنا نجد أن السلوك هو نتيجة تكامل العوامل الداخلية المتمثلة بالاستعداد الداخلي والعوامل الخارجية بمختلف أنواعها، ونوع هذه العوامل وشدة تأثيرها هو الذي يعكس لنا ناتج سلوك سوى أو غير سوى، فمن يرتكب الجريمة هو الفرد، ولكنه لا يفصح في هذا الفعل عن فرديته الأصيلة فحسب بل عن بناء شخصيته المتكونة من امتزاج المؤثرات الاجتماعية بهذه الفردية  

وعليه فلمعالجة السلوك غير السوي في المجتمع يجب أن يأخذ القانون بنظر الاعتبار وسائل الحماية والوقاية وكل المؤثرات الخارجية التي يمكن أن تؤثر في السلوك، ثم يحدد السلوك السوي، وبالتالي يعتبر مخالفة هذا السلوك جريمة ويصف لها عقابا، وهذا يعني اعتماد الجانب المعرفي الذي يبدأ ببيان عيوب ما يراد تغييره من قواعد سلوكية معتمدة أو دخيلة، ثم الإقناع بضرورة التغيير والتبديل، ثم رسم كيفية التغيير والتبديل ومن ثم رسم السبل اللازم الالتزام بها المقرونة بالعقاب لمن يخالفها.

طالع ايضا : مواصفات وأسعار سيارة هيونداي النترا 2019

ومن هذا المنظور سنقوم بتحليل قانون المرور الجديد رقم 19 لسنة 2007.

الضرورة الملجئة لإصدار قانون مرور:

في تحقيق أجراه السيد عبد الحميد غانم طرح نتائج إحصائية لدراسة كشف عنها العميد محمد سعد الخرجي مدير إدارة المرور والدوريات خلال ندوة عن الحوادث المرورية في نهاية شهر يونيو 2007 بينت ما يلي مع إدراج استعلام عن المخالفات المرورية في السعودية .

  1. سجلت الحوادث المرورية تصاعدا مستمرا في أعدادها، ففي الفترة من 1 يناير 2001 حتى 31 ديسمبر 2006 حيث وصلت أعلى زيادتها في العام 2006 بمعدل يقارب 300 حادث يوميا بعد أن كانت في عام 2001 تقارب 158 حادثا يوميا.
  2. أن نسبة الضحايا للشريحة العمرية من11-40 سنة مثلت ما يقارب 70%من مجموع الضحايا.
  3.   أن وفيات النساء كان 14% منها بسبب حوادث الطرق، بينما المعدل العام العالمي كان 33%.
  4. أن 90% من المخالفات والحوادث المرورية سببها العنصر البشرى.
  5. أن 70% إلى 80% من المخالفات هي سلوكية بحتة.

كما بينت الدراسة أن الوفيات بسبب الحوادث المرورية في قطر تمثل السبب الثاني للوفيات بعد أمراض القلب.

إن هذا الواقع المريع هو الظهير القوى لصدور قانون المرور الجديد ولضرورة التزام المواطنين به، ولكن هل كان التمهيد لإصدار القانون كافيا؟، وهل خلقت قناعة كافية لدى المواطنين بأهمية صدور مثل هذا القانون وضرورة الالتزام به؟، وهل إن المعالجات التي وردت فيه كافية لتقليص الحوادث المرورية؟، وهل يشعر المواطنون بعدالة هذا القانون؟.

أولا-ما يتعلق بالتمهيد لإصدار القانون وخلق قناعة بأهمية صدوره:

بالرغم من الحملات الدعائية لصدور القانون وأهميته، فإننا نجدها لم تكن بالمستوى المطلوب، حيث أنها لم تركز على أهمية القانون بل خلقت هلعا لدى المواطنين بقسوة القانون وشدة العقاب الذي جاء به. إن شدة العقوبة لم تكن في يوم من الأيام لوحدها رادعا عن ارتكاب الجريمة، حيث نجد في الحياة العملية أن الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام لا تزال ترتكب، ولم نجد ما يشير إلى تقليصها بسبب قسوة العقوبة (الاستئصال من الحياة) حيث لا يوجد في الإطار الجنائي ما يفيد الجانب الردعي منها، لا من إقرارها ولا من تطبيقها. إذا نحن بحاجة إلى تفعيل الجانب المعرفي للوصول إلى قناعة بأهمية التنظيم الوارد في القانون أولا، وبخطورة مخالفته ثانيا، ثم بعدالة العقوبة المقررة لمخالفته ثالثا.

ثانيا-هل المعالجات التي وردت في القانون كافية لتقليص الحوادث المرورية؟ وهل يشعر المواطنون بعدالة هذا القانون؟

  1. من الناحية الفنية لا أستطيع أن أبدى رأيا فنيا في التنظيم المرورى وفاعليته، ولكن لي ملاحظاتي العامة كمستخدمة للطرق يوميا بسبب عملي حيث لمست أن مسببات الحوادث المرورية متعددة، منها المركبات وسائقوها، ومنها الطرق ذاتها وعدم تنظيمها بالشكل الفني الناجح بسبب كثرة الأعمال الإنشائية من ناحية، ومن ناحية، أخرى بسبب سوء تنظيم السير الذي يعتمد على منظمي السير من العنصر البشرى، ومن ناحية ثالثة ومهمة جدا رداءة الطرق من حيث تعبيدها السيئ والثغرات الموجودة التي كانت سببا في إحداث الكثير من الحوادث وبالذات خلال الجو العاصف والممطر.
  2. من الناحية القانونية، وهي الأهم بالنسبة لموضوعنا، والتي نثبت فيها ضرورة أن تكون القوانين متوافقة مع المبادئ القانونية الثابتة لتخلق قناعة لدى الجمهور بعدالتها، وبالتالي الحرص على تطبيقها، نورد الملاحظات التالية:

الملاحظة الأولى-الفروق الكبيرة بين قانوني المرور الملغى رقم 13 لسنة 998 1المعدل بالقانون رقم 32 لسنة 2005 والجديد رقم 19 لسنة 2007، ومنها:

  1. الفرق في الحد الأعلى للعقوبة، حيث يتحدد الحد الأعلى لعقوبة الحبس بستة أشهر في القانون الملغى وثلاث سنوات في القانون الجديد، ويتحدد الحد الأعلى للغرامة باثني عشر ألف ريال في القانون الملغى وخمسين ألف ريال في القانون الجديد.
  2. الحد الأعلى لسحب الرخصة في القانون الملغى ستة أشهر، بينما في القانون الجديد يمكن سحب الرخصة نهائيا، ولا يتم منح رخصة جديد إلا بعد اجتياز الاختبار بعد مرور سنة على الأقل من تاريخ سحب الرخصة.
  3. في القانون الملغى لا يجوز وقف تنفيذ العقوبة في حالة العود لارتكاب مخالفة مماثلة خلال ستة أشهر من تاريخ الحكم على المخالفة السابقة، أما القانون الجديد فلا يجيز وقف تنفيذ عقوبة الغرامة بشكل مطلق ولا يجيز وقف تنفيذ العقوبة في حالة العود.
  4. في القانون الملغى يجب تسديد المخالفة خلال ثلاثين يوما من تاريخ إعلان المخالف، وفي حالة التأخير تزاد الغرامة 10% شهريا، أما في القانون الجديد فتسديد المخالفة يجب أن يكون خلال ستين يوما من تاريخ إعلان المخالف وفي حالة عدم السداد فعلى السلطة المرخصة عدم تجديد رخصة السوق وترخيص تسيير المركبة إلا بعد سداد الغرامات إضافة إلى ريال واحد عن كل يوم تأخير، ويجوز للسلطة منع سفر المخالف خارج الدولة إذا لم يسدد الغرامات والمبالغ المستحقة عليه.
  5. القانون الملغى لم يعرف نظام النقاط، بينما القانون الجديد استخدم نظام النقاط ووضع لكل جريمة عددا معينا من النقاط يترتب على وصولها إلى حد معين سحب رخصة السوق لمدة تتراوح بين ثلاثة أشهر وسحب نهائي، ولا يتم منح من سحبت رخصته رخصة جديدة إلا بعد اجتياز الاختبار بعد سنة على الأقل من تاريخ سحب رخصة السوق، ونشير إلى أن نظام النقاط هو من الأنظمة المتطورة والجيدة لمعالجة المخالفات المرورية، ولكن أن يصل في المحاسبة إلى السحب النهائي للرخصة فهو الأمر المنتقد، فبالرغم من جودة النظام فإن الآلية في تطبيقه بالغة الشدة.

الملاحظة الثانية– من المبادئ الأساسية في الفقه والتشريع الجنائي أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته أمام القضاء في محاكمة تتوفر فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع، وهذا المبدأ منصوص عليه في الدستور القطري في المادة التاسعة والثلاثين، إلا أننا لم نجد له صدى في قانون المرور، حيث أن مالك المركبة يدان دون أن يسأل ودون أن يمثل أمام القضاء للدفاع عن نفسه ولا أمام أية جهة مخولة بمقاضاته، فالمخالفة تسجل على المركبة (على الأداة الجرمية) لا على الفاعل الحقيقي الذي قد يكون مالكها أو سائقها أو بائعها ويسأل عن هذه المخالفة مالك السيارة.

إن مبدأ “المتهم برئ حتى تثبت إدانته” مرتبط بمبدأ قضائية العقوبة، فالجريمة المرورية واقعة جنائية منشئة لحق الدولة في العقاب، والأصل أن الدولة لا تستطيع تنفيذ هذا الحق مباشرة بل عليها استصدار حكم قضائي بات من المرجع المختص يكشف عن وجود هذا الحق، لذا أصبح من المبادئ السائدة والمستقرة في التشريع الجنائي المعاصر أن “لا عقوبة بدون حكم”؛ وتعود الثقة الممنوحة للقضاء لممارسة هذا الحق إلى كون القاضي حريصا على الحريات والعدالة مبتعدا عن الأهواء السياسية والتحكم الإداري، وذلك لتوفر ثلاث سمات في القاضي هي العلم بالقانون والخبرة بالعمل القضائي والاستقلال المرتبط بالنزاهة.

الملاحظة الثالثة-مبدأ شخصية العقوبة: وهذا المبدأ نص عليه الدستور القطري في المادة الأربعين منه، وأساس هذا المبدأ يقوم على أن العقوبة تنطوي على إهدار أو إنقاص لحق من الحقوق وتقتضي العدالة والمنطق أن يكون هذا الإهدار أو الإنقاص لحق من حقوق مرتكب الجريمة ذاته دون سواه، أي أن تنزل العقوبة بمرتكب الجريمة ولا يسأل عنها غيره حتى لو كان واحدا من أفراد أسرته أو ورثته 

ويرتبط هذا المبدأ بمسؤولية الشخص عن سلوكه الإجرامي المنصوص عليه في المادة 27 من قانون العقوبات القطري رقم 11 لسنة 2004 التي تنص على أن “لا يسأل الشخص عن جريمة لم تكن نتيجة لنشاطه الإجرامي …….”.

ولو عدنا إلى قانون المرور لوجدنا أن المخالفة تسجل على المركبة، وبالتالي يسأل مالك المركبة عنها، وقد يكون هو سائقها أو غيره، وقد يستطيع أن يثبت أن غيره كان يقود المركبة أو لا يستطيع إثبات ذلك، وبالذات في حالة كون السيارة يقودها أكثر من واحد من أفراد الأسرة أو يقودها معهم السائق، وقد يغادر من قادها البلاد ويعاقب مالك المركبة بدلا من مرتكب المخالفة، وفي ذلك إهدار لمبدأ شخصية العقوبة، وهذا كثيرا ما يحدث، حيث أن الرادار الذي يسجل المخالفة يلتقط الصورة من الخلف، وفي هذه الحالة لا يمكن تشخيص مرتكب المخالفة، ونأمل من إدارة المرور في هذه الملاحظة وما تضمنتها إعادة النظر في القانون بما يتواءم مع مبدأ شخصية العقوبة المستقر عليه في القانون الجنائي.

الملاحظة الرابعة– أهدر قانون المرور مبدأ العدالة في بعض نصوصه؛ ومبدأ العدالة من أهم المبادئ الجنائية التي تعيد التوازن الذي أخلت به الجريمة، فالجريمة عدوان على العدالة باعتبارها قيمة اجتماعية مستقرة في ضمير الأفراد، وتمحو العقوبة هذا العدوان فتعيد للعدالة اعتبارها كقيمة إنسانية وتكفل في ذات الوقت إرضاء الشعور الاجتماعي الذي آذته الجريمة، ولكي تحقق العقوبة العدالة المرجوة يجب أن تحدد من قبل المشرع وتقدر من قبل القاضي تبعا لمدى الخطورة الاجتماعية الناجمة عن الجريمة والظروف الشخصية للفاعل والموضوعية للقضية. ولو عدنا إلى الجرائم المرورية والعقوبات المحددة لها في قانون المرور لوجدنا: –

  1. عدم التوازن بشكل عام بين المخالفات المرورية والعقوبات السالبة للحرية والمالية والإدارية المتمثلة بنظام النقاط ومنع السفر.
  2. التشديد غير المبرر المتمثل بعدم جواز المصالحة في المواد التالية (29/1 و38و50/1و51 مما يؤدى إلى الحبس الذي يرتب آثارا اجتماعية ونفسية يتحملها مالك المركبة أو الكفيل، سواء أكان هو مرتكب الفعل أم غيره، كما أن المخالفة كما بينا سالفا تسجل على المركبة ويسأل عنها مالكها إن لم يستطع إثبات إن غيره كان يقودها.
  3. هناك مخالفات مرورية شكلية بسيطة لا تمثل خطرا على حياة الأفراد، ومع ذلك نص قانون المرور على عقوبات سالبة للحرية لمرتكبها تصل إلى سنة وغرامة مالية تصل إلى عشرة آلاف ريال؛ ومن هذه المخالفات ما نصت عليه المواد التالية: م36/2 (السياقة على الطريق دون تجديد رخصة السوق) م27 (عدم إخطار المالك لدائرة المرور بتغيير اسمه أو عنوانه أو جنسيته أو رقمه الشخصي أو محل إقامته خلال عشرة أيام من تاريخ التغيير) م 11/2 (تسيير المركبة على الطريق دون تجديد ترخيص سيرها).
  4. إن ارتفاع مبلغ الغرامات على المخالفات المرورية لا يتناسب مع المخالفة من ناحية ويمثل ثقلا لا يستهان به على كاهل مالك السيارة الذي سيتحمل في الغالب دفعها حتى وإن لم يكن هو مرتكب المخالفة، ومن ناحية أخرى إذا استطاع إثبات عدم ارتكابه المخالفة فإن ذلك يعني في الغالب ارتكابها من قبل أحد السواق، وأن هذا لن يستطع دفع المخالفة التي تصل في بعض الأحيان إلى ما يساوى أجره لمدة سنة أو أكثر.
  5. أن عدم جواز تطبيق وقف التنفيذ على العقوبة المالية للمخالفة المرورية المقضي بها على المتهم لا مبرر له، فحتى الدول التي لا تأخذ بنظام وقف التنفيذ للعقوبات المالية تقره للمخالفات المرورية في المرة الأولى لارتكابها، كما أن القانون منع وقف التنفيذ للعقوبات السالبة للحرية في حالة العود، في الوقت الذي نجد فيه أن المخالفات المرورية لا تعكس نمطا إجراميا يستوجب منع وقف التنفيذ.
  6. أن نظام النقاط المرورية في شكله الوارد في قانون المرور نظام يتسم بالشدة المتناهية، ويترتب عليه أحيانا سحب رخصة السوق وإعادة إجراء اختبار سياقة لصاحب الإجازة المسحوبة لإصدار رخصة جديدة، وهو كما بينا أعلاه قد يكون بريئا لم يرتكب المخالفة أو لم يكرر ارتكابها.

الخاتمة

من تحليلنا للقانون ولموجبات إصداره وجدنا ما يلي:

  1. أن إصدار قانون مرور أمر ضروري ليعالج المخالفات المرورية التي تمثل خطورة قد تؤدى إلى أضرار جسيمة في المجتمع متمثلة بفقد الأرواح أو إحداث إعاقات مستديمة أو وقتية للمواطنين، وبالذات للشباب منهم، إن لم تعالج قبل تفاقمها.
  2. أن المعالجات الواردة في قانون المرور رقم 19 لسنة 2007م لم تكن معالجات موفقة ولا متناغمة مع المبادئ المستقرة في الفقه الجنائي.
  3. أن شدة العقوبة لم تكن في يوم من الأيام لوحدها رادعا لارتكاب الجرائم.
  4. أن القانون يعالج المخالفات المرورية بمستوى المعالجات لجرائم الضرر في الوقت الذي نجد فيه أن المخالفات المرورية لا تتعدى كونها من جرائم الخطر، ومن المتعارف عليه في التشريع الجنائي أن جرائم الضرر هي التي يعاقب عليها بسلب الحرية؛ أما جرائم، الخطر فعدا جريمة الاتفاق الجنائي لا يعاقب على هذه الجرائم بسلب الحرية، وإن عوقب عليها بسلب الحرية فيكون ذلك لمدة بسيطة لاتصل إلى الحد الذي ينص عليه قانون المرور (حتى ثلاث سنوات).
  5. هناك عقوبات بديلة لسلب الحرية أو للعقوبات المالية المرهقة لكاهل المحكوم عليهم بها مثل العقوبات الاجتماعية كالتكليف بأعمال معينة في قسم الطوارئ في المستشفيات، أو إلزامهم بتخطيط الشوارع، أو تنظيم المرور، وما إلى ذلك.
  6. أن اعتماد آلية تسجيل أغلب المخالفات المرورية بواسطة الرادار والنظام المعتمد بالتسجيل من الخلف قد يؤدى إلى نتائج غير دقيقة، إضافة إلى عدم استطاعة مثل هذا النظام إثبات المخالفة على المخالف الحقيقي، بل يثبتها على السيارة بتثبيت رقمها، وبالتالي يسأل مالكها أو حائزها إن كانت السيارة مؤجرة، في الوقت الذي نجد فيه الدول التي تعتمد الرادار بتسجيل المخالفات المرورية لا تعتد بالمخالفة التي لم يستطع الرادار التقاط الصورة الواضحة لمرتكبها، ومن ثم فإن القول بأن “عدم تصوير الرادار لسائق المركبة من الأمام يرجع إلى أسباب شخصية تتعلق بالناس” لا يبرر الحيف الذي يمكن أن يقع على من تسجل عليه المخالفة، وفي هذه الحالة يجب استبدال نظام الرادار بنظام الضبط المباشر كي لا تضيع الحقوق.

ونظام الضبط المباشر هو النظام الذي يواجه به رجل المرور للمخالف لحظة ارتكاب المخالفة، ويقوم بأخذ توقيعه على المخالفة، وفي حالة رفض التوقيع أو رفض تزويد رجل المرور بالبيانات الدالة على شخصه يثبت رجل المرور ذلك في محضر المخالفة، ووفقا للمادة 103 من قانون المرور والمادة 231 من قانون الإجراءات الجنائية تكون لهذا المحضر حجية حتى يثبت عكس ما ورد فيه.

  1. من كل ما تقدم تجب إعادة النظر في قانون المرور ليصبح أكثر مرونة وأكثر انسجاما مع المبادئ المستقرة في الفقه الجنائي.

اترك تعليقاً